السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسد بن الفرات: القاضي الأمير
"أنا أسد والأسد خير الوحوش وأبي الفرات والفرات خير المياه
وجدي سنان والسنان خير السلاح".
هو أبو عبد الله أسد بن الفرات بن سنان، من أشهر فقهاء تونس في القرنين الثاني والثالث للهجرة، له مؤلفات عديدة أهمها "المدونة" وتسمى كذلك "الأسدية" نسبة إليه.
ولد أسد بن الفرات ببلاد المشرق سنة 142هجري الموافق لـ759 واصطحب والده إلى إفريقية صبيا ضمن الجيش الذي أرسله الخليفة المنصور، فنشأ بالقيروان وتونس حيث أخذ العلم عن علي بن زياد، ثم سار سنة 172 هجري الموافق لـ 788 نحو المشرق ثانية، فنزل بالمدينة، وهناك التقى بمالك بن أنس وسمع منه موطأه، ثم ارتحل نحو بغداد، فجالس أشهر علمائها وعمق معارفه الفقهية.وحين حصل أسد بن الفرات غايته، قفل عائدا إلى القيروان وانتصب للتدريس فيها، قبل أن يعين سنة قاضيا للمدينة، وقد كان له تلاميذ كثيرون أشهرهم الإمام سحنون. وفي سنة 212 الموافقة لـ 827/828 ميلادي، حين عزم الأمير زيادة الله بن الأغلب على غزو صقلية، طلب منه أسد الإذن بالخروج إلى الحرب كأحد الأجناد، فعينه أميرا على الجيش قائلا: "قد وليتك الإمارة وهي أشرف من القضاء، فأنت قاض أمير". وخرج أسد بن الفرات في عشرة آلاف مقاتل إلى ثغر سوسة، وخرج لتشييعه الأمير وأهل العلم ووجوه الناس، ومن بين ما أوصى به مودعيه قوله:
"أيها الناس، أجهدوا أنفسكم وأتعبوا أبدانكم في طلب العلم وتدوينه وكابدوا واصبروا على شدته فإنكم تنالون به الدنيا والآخرة".في صقلية، نجح أسد بن الفرات في الاستيلاء على الجزيرة، غير أنه توفي في حصار سرقوسة متأثرا بجراحه في شهر ربيع الثاني سنة 213هـ (828/829م)، وكان عمره آنذاك 71 عاما ودفن بمحل استشهاده.
وكانت لابن الفرات ابنة تدعى أسماء، نشأت بين يديه - ولم يكن له سواها - فأحسن تهذيبها، وثقف ذهنها علماً وحكمة، وكانت تحضر مجالسه العلمية في داره، وتشارك في السؤال والمناظرة، حتى اشتهرت بالفضيلة، ورواية الحديث والفقه، وبعد وفات أبيها تزوجت بأحد تلاميذه، وهو محمد بن أبي الجواد، الذي خلف أستاذه في خطة القضاء، وتولى رئاسة المشيخة الحنفية بإفريقية سنة 225هـ، ولم تزل أسماء الأسدية معظمة معززة عند الخاص والعام من بيئة عصرها، إلى أن توفيت في حدود سنة 250 هـ .